عندما بدأت شاشة التلفزيون أمامي تثيرني لالتفت لها مساء السبت الماضي، نظرت مسرعة أبحث عن ذلك الشاب الأسمر الذي بات حديث الصغير والكبير في بلادنا.
لم يراودني أملاً ولو ضئيل أن فرحاً سيعم فلسطين هذا المساء بعد الاعلان عن اسم محمد عساف المشارك الفلسطيني في برنامج المواهب "آراب ايدول" فدائماً نعاني من خيبة الأمل في الدقيقة الـ90، فنحن ذلك الشعب الذي يخشى أن ينام حتى لا يسرق من غفوته الحلم، ففي كل مرة يتحول مشروع فرح يولد بيننا إلى غمة.
لكن هذا المساء بدى مختلفاً كنت أخشى أن تسرق نتائج النهائيات في البرنامج فرحة فلسطينية طالما انتظرناها.
من الناصرة مروراً برام الله نحو غزة كل فلسطين كانت تشتعل فرحاً، لم يكن هو ذلك اللقب الذي سيحمله شاب خرج من غزة بوصلته صوت يحلم بأن يسمعه العالم. بل كان الحلم أكبر ... ذلك الحلم بفرح يتكرر كل 500 عام على هذه الأرض، كما أثنى الملحن حسن الشافعي على صوت محمد عساف، ففرحنا وصوته لن يتكررا سوى كل 500 عام.
عند غنائه رفرف في مخيلتي طائر الشمس الفلسطيني، الذي يؤمن بأسطورته الفلسطينيين فهو ذلك الطائر الصغير الذي نؤمن بأنه يجلب الفرح منذ الآف السنين، ذلك الطائر الوحيد الذي يملك القدرة على الطيران إلى الخلف بشكل عامودي يسترق من الورود رحيقها، يلقبه الخبراء " تمير فلسطين" ونحن نسميه طائر الشمس الذي لا يعيش سوى في فلسطين.
بدأت أعود بذاكرتي في حركة فلاش باك سريعة أبحث عن أخر فرح جماعي التقطته ذاكرتي.
تذكرت الزغاريد التي دوت في شوارع الناصرة عندما تنحى الرئيس المصري حسني مبارك التي الفرحة التي سرقت سريعاً وها هو الشعب المصري يعود إلى ميدانه ... وتلك الابتسامة التي ودع بها الفلسطينيين الرئيس ياسر عرفات في رحلته الاخيرة للعلاج على أمل أن يعود سريعاً لكنه عاد ملفوفاً بالعلم الفلسطيني وتحولت ابتسامة الأمل إلى دمعة، اختفى وبغمضة عين تحولت فلسطين إلى اثنتان أو لربما ثلاث.
لم أتذكر سوى فرحة الفلسطينيين بنهائيات الدوري الاسباني أو المونديال الذي يأتي كل 4 سنوات ويفرح الفلسطينيين كما بقية الشعوب لفوز فريق لا يعرفون عنه شيئاً سوى حاجتهم للفرح ... خفت هذا المساء أن تسرق تلك الفرحة منا مرة أخرى لكن هذه المرة أثبتت بأن محمد عساف لم يكن بحاجتنا وبحاجة أصواتنا بقدر ما كنا بحاجة لفرح خلقه بمغامرته.
فطائر الشمس السعيد لم يكن أسطورة عرفني عليها الفنان خالد جرار عندما حادثته لإجراء لقاء صحفي حول مبادرته بختم جوازات السفر لزوار فلسطين برسمة قام بتصميمها تحمل طائر الشمس وما زلت أذكر أحد أجوبته عندما قال لي: " يجب على العالم أن يعرف أن الشعب الفلسطيني ما زال رغم الألم يطوق للفرح ولذلك اخترت طائر الشمس" .. اليوم أيقنت أن طائر الشمس ليس أسطورة كنعانية إنما هو واقع يطوق إليه الشعب الفلسطيني في كل مكان.
فالألعاب النارية التي زينت سماء الناصرة، وصرخة الفرح عند اعلان اسم محمد عساف فائزاً أيقذتني من سوداوية الواقع فكم يحب شعبنا الحياة التي أوصانا محمود درويش بأن نحبها اذا ما استطعنا إليها سبيلا.
ندرك أنه في ذلك المساء لم تتحرر القدس، والشرطة الاسرائيلية ما زلت تهدم بيوتنا في العراقيب والمثلث وكم اعتقلت شباناً مقدسيين أثناء عرض الحلقة الاخيرة لبرنامج اراب ايدول في باب العامود، لكننا شعب يرغب بذلك الفرح المُشتهى الذي اخترقنا دون أن يراعي غربته عنا...