أذكر اليوم ونحن نودع أخر الحلقات الدرامية من مسلسلات رمضان 2012، الجزء الأول من مسلسل باب الحارة الذي أثار ضجة كبيرة في مناطق فلسطين المختلفة كما الحال في العالم العربي، كانت تدق الساعة الثامنة معلنة بدء عرض المسلسل حتى تخلو الشوارع من السيارات ويهدأ ضجيج الأطفال، وما إن تنتهي الحلقة حتى يبدأ الصغار بتقليد شخصيات المسلسل وتبدأ الثرثرة المسائية حول أحداث الحلقة الجديدة من باب الحارة...
مرت سنوات
طويلة والدراما الرمضانية توحد كلمتنا وراينا على عمل درامي واحد أو إثنين يكونان
حديث السنة لشدة إعجاب الجمهور بالعملين، الذي كنا نفتقده في السياسة كنا نجده في
الفن، الرأي الواحد!!
هذا العام اشتقت لتلك الثرثرة ولتلك الضجة الجماهيرية لأحد مسلسلات رمضان، فالأطفال
لم تلفت نظرهم إحدى الشخصيات الدرامية والكبار لم يثرثروا سوى إمتعاضاً من الحبكات
الدرامية لهذا العام، من خلال عملي الصحافي تابعت العديد من المقالات التي نشرت
طيلة الشهر الفضيل حول الدراما، والتعليقات العديدة على موقع التواصل الاجتماعي
الفيسبوك والتغريدات التي نشرت آراء مختلفة على التويتر، وكلها تجمع أن الدراما
العربية هذا العام لم تستطع توحيد كلمتنا على عمل درامي واحد.
الدراما السورية: سوريا خالية من أي مشاكل سياسية!!
حاولت متابعة أكبر كم من الأعمال الدرامية لهذا العام، لكن ما يثير الاستغراب هو
الأعمال الدرامية السورية التي اختارت أن تنأ بنفسها عن الأحداث السياسية على أرض
سوريا، الأمر الذي دفع الشارع الفلسطيني للتساؤل: " أين المسلحين والقصف وكل
ما ترويه نشرات الأخبار في سوريا"؟.
ففي الوقت الذي توقعنا أن يعكس مسلسل " ولادة من الخاصرة 2" الأقرب
للواقع السوري المعاش، ما يجري في سوريا ولو بمشهد بسيط أو بعبارة يقولها أحد
الفنانين، أكمل المسلسل مساره دون الالتفات إلى ما يحدث في الواقع.
بينما فضّل القائمون على مسلسل "بنات العيلة" محاولة جذب المشاهدين على
الطريقة التركية، الأمر الذي لم يرق للجمهور الذي أعجب بفكرة وسيناريو المسلسل
الاجتماعي الذي لا يخلو من المواقف الكوميدية بالرغم من المشاكل الاجتماعية التي
يطرحها، ولكن هل يعقل أن نرى طبيبة تداوم طيلة النهار في أحد المستشفيات وتنهي
عملها بكامل أناقتها وحيويتها؟ أي هي إذن من واقع طبيباتنا؟؟
وعلى الرغم من كثرة الأعمال الدرامية هذا العام كان الاختيار صعباً على المشاهد
لندرة الأعمال الممتازة التي اعتاد أن يجدها المشاهد الفلسطيني في الأعمال السورية
التي يعتبرها الأقرب لبيئته، ولكن الفنانة أمل عرفة نجحت هذا العام بلفت العيون
إلى " رفة عين" الذي كتبته وأدت دور هدية تلك الفتاة التي نجد لها
شبيهاً في كافة المجتمعات العربية.
نجاح البيئة الشامية يعتمد على وجود أكبر عدد من النجوم
مسلسلات البيئة الشامية التي نالت الإعجاب لسنوات طويلة والتي بحث عنها الجمهور
الفلسطيني هذا العام فلم يجد سوى حبكات درامية مكررة، منذ بداية الحلقة الأولى كان
يعرف ما سيجري في الحلقة الأخيرة.
فالقائمون على أعمال البيئة الشامية هذا العام لم يعتمدوا على نصوص مميزة بل كان
إعتمادهم على باقة النجوم المشاركة في العمل، ففي طاحون الشر كان كفيلاً مشاركة: (
رفيق السبيعي، بسام كوسا، صباح الجزائري، منى واصف ..) في العمل حتى يراهن على
نجاحه.
وكذلك الأمر في مسلسل "زمن البرغوث" على الرغم من أنه تفوق على الأعمال
الشامية الأخرى بوثائقيته في العديد من العادات الشامية القديمة والتسميات
المختلفة للأشياء، فلأول مرة يردد الجمهور الفلسطيني تسمية " حصان
إبليس" على الدراجات الهوائية، حتى أصبح الصغار والكبار يرددون التسمية، ولكن
وجود فنانين على غرار (أيمن زيدان، سلوم حداد، رشيد عساف، صباح الجزائري...) كانت
كفيلاً بلفت النظر للمسلسل، وهو الحال ذاته مع مسلسل الأميمي الذي كان من بطولة
عباس النوري الذي جذبنا أكثر العام الماضي بحبكة " طالع الفضة" عن شخصية
سلامة في الأميمي.
الدراما المصرية لم تتعلم من دروس الماضي!!
الدراما المصرية شهدت إزدحاماً كبيراً هذا العام عبر القنوات الفضائية الأمر الذي
حيّر المشاهدين، ولكن الاختيار حسم لصالح " فرقة ناجي عطا الله" الذي
نال أوسع جماهيرية في فلسطين الداخل بالرغم من الغضب الذي سيطر على الشارع
الفلسطيني من تناول عاد إمام لصورة المجتمع الفلسطيني المشوه وتصويره العديد من
الأفكار المغلوطة عنه.
لكن دقة المخرج بتصوير شوارع مشابهة تماماً لشوارع تل أبيب ودقته بتصوير تصاميم
مباني البنوك الإسرائيلية وسيارات الشرطة والحافلات الإسرائيلية، جعل المواطن
الفلسطيني في حيرة من أمره " هل وصل عادل إمام إلى هنا لتصوير
المشاهد؟"، لكن سرعان ما تلاشت تلك الحماسة للمسلسل عند وصول عادل إمام
وفرقته إلى غزة الأمر الذي لم يرق للغزيين الذين طالبوا عبر الفيسبوك والتويتر
الاعتذار من الزعيم الذي خيّب أمالهم.
البطولة المنفردة، هو الدرس الذي لم يستطع القائمون على الدراما المصرية تفاديه
بالرغم من المحاولة هنا وهناك، فتقاسمت نبيلة عبيد بطولة كيد النساء2 مع فيفي عبده
بالرغم من أن الجزء الثاني للمسلسل لم يصل لمستوى الجزء الأول درامياً، فحبكته لم
تقنع الجمهور بمتابعته.
نجوم السينما الشباب لم ينجحوا بجذب جمهور الدراما
الأمر ذاته مع يسرا التي أجادت دور شربات لوز رغم أنها كررت قصة طرحت سينمائياً
ودرامياً بكثرة في السنوات الماضية، وبالرغم من وجود أحمد السقا وكريم عبد العزيز
وغادة عادل ومصطفى شعبان نجوم السينما الشباب في دراما رمضان 2012 إلى أنهم لم
ينجحوا بجذب المشاهدين اكثر من حلقتين أو ثلاثة، خاصة مصطفى شعبان الذي كرر
سيناريو مسلسل عائلة الحاج متولى الذي أدى خلال دور سعيد ابن الفنان نور الشريف
الذي تزوج أربع نساء، حتى سمعنا أصوات تقول: " لو كان مسلسل الزوجة الرابعة
الجزء المكمل لعائلة الحاج متولى لكان أفضل".
ليلى علوي استطاعت بذكاء أن تخرج من السباق الرمضاني فائزة، بعد أن إختارت "
نابليون والمحروسة" العمل التاريخي الضخم الذي عرض بلمسات المميز شوقي
الماجري.
إلهام شاهين لم تبتعد عن السياسة في قضية معالي الوزيرة
أما إلهام شاهين فتصريحاتها السياسية النارية لم تمنع الجمهور من متابعة "
قضية معالي الوزيرة" التي أجادت خلاله الهام شاهين دور المرأة العملية لتتقن
دور السياسية أكثر من أي فنانة قامت به خلال السنوات الأخيرة، وبينما كنا ننتظر من
إلهام شاهين أن تسحبنا لقصة رومانسية جميلة مع مصطفى فهمي على غرار قصة الأمس،
عملهما السابق وجدنا أنفسنا نصطدم بالحرب الانتخابية وفساد سياسي ومشكلة الزواج
العرفي الذي ما زال يلقى رواجاً في المجتمع المصري، لتنجح الهام شاهين بتسليط
الضوء عام بعد عام على مشاكل اجتماعية عربية بامتياز.
الدراما الخليجية بدأت بالابتعاد عن الواقع
أما الدراما الخليجية التي استطاعت في السنوات الماضية أن تحتل مكانها المميز في
الدراما الرمضانية لشدة واقعية قصصتها وحبكاتها وتألق نجوم الخليج، نجدها تتراجع
لصالح عالم بعيد عن الواقع، بالرغم من نجاح سعاد العبدالله بجذب الأنظار "
لخوات دنيا"، وسيدة الدراما الخليجية حياة الفهد التي سلطت الضوء المؤلم على
معاناة المعاقين في المجتمعات العربية.
في لبنان: عنصرية السياسة بعيداً عن الفن
الدراما اللبنانية تحاول في السنوات الأخيرة النهوض باعمال درامية مميزة، هذا
العام كان الأول الذي تحتل فيه الدراما اللبنانية مكاناً
في قلب المشاهد العربي، فأجيال في جزئه الثاني طرح قضايا عديدة تهم الشارع العربي
اجتماعياً حيث استطاعت المميزة اللبنانية كلوديا مارشليان أن تحلق بالدراما
اللبنانية في سماء الوطن العربي بإتقان ومهارة، اما الجزء الثاني من الغالبون
فبرهن أن الفن بعيداً عن عنصرية السياسة يشكل عملاً مميزاً، فالفنانون اللبنانيون
أياً كانت مذاهبهم الدينية والسياسية أدوا ادوارهم بروعة بقيادة المايسترو السوري
رضوان شاهين.
أما كارمن لبس فاستطاعت وبالرغم من تكرار القصة في الدراما العربية، أن تجذبنا
لنشاهد قضية " العائدة" باداء مميز وطرح جميل.
لنكتشف بعد انتهاء الموسم الدرامي الرمضاني 2012 اننا كجمهور عربي لم تستطع لا الدراما ولا السياسة توحيدنا على رأي واحد نقر بأنه إعجبنا وننتمي له !!