الخميس، 28 فبراير 2013

ابن العاشرة يسأل: " لماذا شعرك مكشوف؟ هذا حرام؟ آنت مسيحية؟"



عندما سألني "لماذا أمرتهم المديرة بان يقف الطلاب بطابور بعيد عن الطالبات" ... أجبته بكذبة بيضاء " اعتقد ان هناك فعاليات تجذب الفتيان أكثر، فانت ترى لا يهدأون ..." كنت اعرف الجواب الصادق لكنني صمت عن الكلام المباح في تلك الدقيقة، أعتقد أيضاً هو لم يصدق الاجابة كما لم أصدقها انا لكن بعد مرور دقيقة على اجابتي رغبت بان أعود وأقص عليه الاجابة الصحيحة التي أدرك جيداً أنه يعرفها ... لكنني تراجعت مرة آخرى.

هو متطوع برازيلي رافقنا بجولة تطوعية إلى مدرسة العجال، في منطقة غور الأردن، فحين أعلنت مركزتي مشروع " أنا من هذي المدينة" عن جولة للعمل مع الأطفال في المنطقة لم أتردد لثانية ان اشارك بتلك الجولة، فإنضممت لزميلاتي اللواتي كنت اجهل العديد منهن، كون غالبيتهن إنضممن للمشروع في بسنوات لاحقة، ذلك المشروع الذي يحاول منذ 6 سنوات ان يرسم ابتسامة أمل في عيون الاطفال في كل زاوية من فلسطين (ولن أتحدث مطولاً عن أنا من هذي المدينة فله حصة كبيرة ساتحدث عنها لاحقاً ... وربما لن أشبع من تدوينة واحدة لمشروع غيّر حياة الكثيرات".

الحلم في العجال توقف عند شاشة تلفزيون لم يروها
كنت على يقين بأن الطائفية التي أرهقتنا لسنوات لم تصل إلى زوايا فلسطينية كثيرة، وصلنا إلى منطقة الخان الاحمر في غور الأردن ونحن نلمح الأطفال من خلف نوافذ مدرسة بنيت من إطارات السيارات والطين، يلوحون ببراءة للغرباء الذين وصلوا لزيارتهن، تلك اللهفة انستنا كل شيء سوى تصميمنا على المغادرة بعد ان نسرق فرحة من عيونهم.


وسط صرخات الأطفال الفرحة، وطلباتهم بان أصورهم كل منهم بصورة فردية، او صورة جماعية كانوا يعلمون بانهم لن يروها لاحقاً، ففي تلك البلدة لا مجال لمحادثات تشاتيه، ولا لتواصل اجتماعي، ولا لايك او ريتويت ... ففي بلدة العجال توقف الحلم متعلقاً بشاشة التلفزيون التي لم يروها بعد ...

هي تلك القرية التي اختارت السلطات الاسرائيلية مصيرها، وحددت أن تبنى فيها جيلاً يحلم ببيت آمن تصله الكهرباء، والماء الدافئ وتحمي جدرانه من ريح الشتاء وحر الصيف ...

ليتنا نستطيع أن نحمل عالماً بآسره 
كل ما هنالك كان يدعوك للسخط ... تود لو تحمل عصا صديقة سندريلا السحرية وتخيط ثوب المدرسة الممزق الذي ترتديه ابنة الصف السابع، او تستغني ليلى الحمراء عن حذائها الاحمر لتمنحه لماريا الطفلة الصغيرة التي تخاف أن تجاريها اللعب والركض خلفها خوفاً على قدميها العاريتين ... ترغب لو تحمل عالماً بأسره إلى هناك...


شعرك مكشوف!!
" لماذا شعرك مكشوف؟ هذا حرام؟ آنت مسيحية؟" اسئلة حلقت بي بعيداً عن المكان، فطلاب الصف الرابع أنهوا أشغالهم اليدوية التي صنعوها برفقة متطوعات انا من هذا المدينة وبحثوا عن شيء آخر يحاولون أن يقوموا به، فلم يجدوا سوى ذلك النقاش مع إحدى المتطوعات ...


صدمت، ابتسمت، لم أدرك إذا ما كنت أصبت بما سمعت أم لا، لكن أدركت حينها ان مشكلة الطابور ليست اعظم المشاكل، ففي تلك المنطقة البعيدة، التي يسعد أطفالها بلعبة صغيرة أو حلوى تغير لهم واقعهم المر لدقائق، يتحدثون برائحة الطائفية النتنة ذاتها التي تفوح باماكن آخرى !!

لكن لم تكن فقط لهجة طائفية بقدر ما كانت تخيفني بمساهمة الطابور بإنشاء جيل جديد ترعرع وسط أجواء مهابة السي سيد، وغطي راسك ... في بلدة صغيرة بعيدة الصراعات الدينية والسياسية والاجتماعية، يعرف من يسكن بشمالها ماذا يجري في بيت الساكن بجنوبها لا يزورها الغرباء سوى نادراً يتحدث أطفالها عن غطاء الرأس والجلوس مع الغرباء وتحريم وتحليل ما يصلهم من الكبار!!!

هو من سيغير العالم يوماً ما
لا أدرك ما الذي يمكن فعله ولا اعرف ما الذي يحتاجه الاطفال ... لكن كل ما أدركه أننا لسنا بحاجة لأن نبحث بعيداً عن حروبنا مع الطائفية ونتهم آلهة العالم الرأسمالي بتحريك أيدي الطائفية ... ولسنا بحاجة لأن نركض باحثين عن سبل لتحرير المرأة من قيودها ونتحدث عن العنف اتجاهها ... فالعنف اتجاه المرأة ما زال يكبر معنا والطائفية تعشش في عقولنا قبل فكرة كسر حاجز الخوف من خطواتنا الأولى ... 


اذا رغبنا بجيل جديد ينهض بهذا المجتمع علينا ان ننتبه لوجوده ونحارب اي ظاهرة تطوقه بالتخلف ... لا يمكننا تغيير واقع واحتلال وقمع لكن يمكننا بناء جيل يغير كل هذا

الخميس، 21 فبراير 2013

إذا تلاشت ابتسامتك الصغيرة أمام فرحهم الكبير ... تأكد انك فعلتها



حافي القدمين يمشي على الأرض الترابية، صورة ليست من احد تمارين التوحد مع الطبيعة ولا إحدى وصفات دروس التأمل، هي صورة تراها إذا قررت أن تتوقف للحظة في طريقك إلى القدس، ترجل من السيارة والتفت نحو اليمين أو اليسار نحو التجمعات السكنية الصغيرة، فستجد حتماً طفلاً في الثانية من العمر ينظر إليك مدهوشاً قلقاً من هذا الغريب.

كل شيء هنا يحتاج الانتظار، انتظار وصول الطلاب للصف الاول إعدادي حيث تنتهي أحلامهم هناك، فالمدرسة في الخان الأحمر تنتهي حدودها مع هذه المرحلة، وإذا رغب أحد الطلاب بإكمال دراسته فعليه أن يقطع مئات الأميال ليصل إلى إحدى مدارس مدينة أريحا، فهي المنفذ الوحيد لأحلامهم الصغيرة.

فتقف حدود مخيلتك عن تصور مشهد هؤلاء الطلاب في مدرسة بمدينة أريحا، بعد أن تجيبنا نوال الساكنة في القرية أن معظم الطلاب لا يكملون تعليمهم وخاصة الفتيات اللواتي لا يستطعن الوصول إلى أريحا بدون مرافقة أحد رجال العائلة !! فيستمر إنتظارهن لينتهي ببيت الزوجية ويستمر الانتظار محلقاً فوق القرية فمتى سيعرف الجيش الاسرائيلي بأمر الغرفة التي بنيت من الطين وعجلات المركبات ليأتي لهدمها؟؟ متى ستكون زيارة الجنود التالية إلى المدرسة، فنظرات الترقب بعيون الأطفال تطل مترقبة نحو مدخل القرية متى سيعودون؟؟

* قرية العجال في منطقة الخان الأحمر موجودة ضمن المنطقة C الواقعة تحت السيطرة الاسرائيلية، التي لا تعترف بحق السكان في تلك التجمعات بالتواجد على أراضيهم لذلك فهم محرومون حتى من ابسط الخدمات المعيشية.

كل شيء هناك يبكيك سوى ابتسامة ماريا تلك الطفلة الصغيرة التي فرحت لحصولها على الحلوى، تشاكسك عيناها العسليتين وتفرح لفرحها، تحاول اللعب معها فتركض بعيداً عنك لتجاريها بالركض فتخشى على قدميها العاريتين وتخفف من حدة اللعبة من الجري إلى الكلام.

تودع تلك القرية وأنت تفكر اذا ما كنت ستلتقي بهؤلاء الأطفال مرة آخرى، يلوحون لك من بعيد فترتسم ابتسامتك متمنياً أن تكون قد وفقت لإسعادهم حتى لساعات قصيرة، لكنهم يحققون لك تلك الأمنية فتتلاشى ابتسامتك أمام فرحهم الكبير ... وتغادر







الأحد، 17 فبراير 2013

الآذان في لفتا ما زال يزعج الزائرين اليهود ...






بين حلم العودة وقرار الحكومة الاسرائيلية بهدم البيوت المهجرة في قرية لفتا لإنشاء سكة حديد، يعيش أهالي القرية الذين ما زالوا يزورونها باستمرار متشبثين بحقهم في العودة إلى بيوتهم التي ما زالت تنتظرهم وتحافظ على جدرانها قوية تحمل بين أحجارها ذكريات محفورة في ذاكرة سكانها الذين خرجوا منها شباناً ويعودون إليها اليوم برفقة أحفادهم الصغار الذين استطاعوا أن يدحروا مقولة بن غوريون: " الكبار يموتون والصغار ينسون".

الآذان ما زال يعلو من منبر لفتا ويزعج المتنزهين اليهود
زرنا لفتا المهجرة التي لبست حلة الربيع الخضراء وتجولنا بين بيوتها التي ما زالت تحافظ على عمرانها تنتظر عودة أبنائها الذين احتضنت أحلامهم الشبابية، ليصحبنا الحاج ابراهيم العبيدي الذي يبلغ من العمر (74 عاماً)، مؤذن مسجد القرية الذي ما زال صوته يصدح بالآذان من على منبر المسجد الذي ما زالت بقايا جدرانه تحافظ على أحد معالم قرية لفتا، وفي كل مرة يقوم فيها الحاج ابراهيم بزيارة القرية يقوم بإعلاء الآذان، وبصوته الذي جلجل في القرية وأزعج المتنزهين اليهود الذين يزورون القرية للاستمتاع بربيعها المميز، الذين نظروا باستغراب يحمل بين طياته خوف من هذا الرجل الذي ينطق بالعربية في القرية التي يعرفون بانها خلت من سكانها.
وبعد الآذان أكملنا طريقنا مع الحاج ابراهيم العبيدي لزيارة بيت عائلته، الذي بدأ يروي قصة 14 عاماً من عمره قضاها في لفتا وبين جدران ذلك البيت قائلاً: " كنت أعمل ككاتب في مؤسسة الضرائب في القدس، وفي يوم التهجير وصلتنا أخبار مجازر القوات الاسرائيلية في دير ياسين والطنطورة وغيرها من البلدات الفلسطينية الأخرى، وبعدها وصلت مجموعة من اليهود عصر ذلك اليوم وقامت بقتل بعض الرجال الذين يجلسون في المقهى الذي يقع على مدخل القرية، فقرر والدي الخروج من البلدة خوفاً على حياتنا، توجهنا إلى بلدة (بيت إكسا) ومن هناك إلى مدينة رام الله".
أكملنا طريقنا في دروب لفتا الترابية حيث توقف الحاج ابراهيم وقال فرحاً: " هذا هو منزلي وصلنا..توقف قليلاً ليتأمل جدران المنزل الخارجية وبعدها بدأ بالصعود على الدرج الحجري المؤدي إلى منزله، تبعناه لكنه وصل قبلنا بدقائق دون أن يشاركنا لهاثنا وتعبنا، فكان مرحاً وهو يتجول في أرجاء المنزل ويخبرنا عن تقسيم البيت: " فهنا كانت غرفتي انا واخوتي، وهذه غرفة والديّ، هذا المطبخ وهنا منزل عمي..."، تنهد الحاج ابراهيم واستدار بعيداً عنا لنلمح دمعة استطاع الحاج ابراهيم أن يحبسها.


بين ذكريات الحاج ابراهيم والحاجة زهية يزداد الفضول!!
ولكن الحاجة زهية جودي (75 عاماً) بدأت تخفف من حدة الذكريات وتخبرنا عن أيام الصبا في لفتا التي غادرتها وهي تبلغ من العمر (8 سنوات): " أسكن اليوم في رام الله وانتظر كل فرصة استطيع خلالها أن ازور البلدة التي عشت على ذكرى العودة إليها طيلة 63 عاماً، وهذه المرة كان الحصول على تصريح للوصول إلى لفتا سهل ولم نعاني الأمرين كالعادة".
وبين أحاديث الحاج ابراهيم والحاجة زهية، وخلافاتهم حول هوية أصحاب كل بيت نمر به في طريقنا إلى معصرة القرية، كانت اسئلتنا تكثر وفضنا يزداد مع كل معلومة نتلقاها وبدات تقص علينا الحاجة زهية كيف كانت الفتيات تقضين أوقاتهن في لفتا: " كنا نبحث عن ألعاب تسلينا في المنزل فكنا نصمم الدمى ونلعب الحجلة العديد من الألعاب التي كنا نبتكرها لنقضي وقتنا".
وتمضي الحاجة زهية في حديثها وهي تتأمل معالم القرية التي اشتاقت لرؤيتها: " لن احتمل أن أرى منازل قريتي تهدم امام عيني ولن أقبل ان أتراجع عن الحلم بالعودة إليها، فلن تكون القرية كما تريد الحكومة الاسرائيلية سبيلاً يمر منه قطار ويلوث طبيعتها المميزة".

حكايا لفتا ما زالت في الذاكرة...والأطفال لم ينسواووصلنا إلى معصرة قرية لفتا التي خلت من البشر لكنها كانت تعبق برائحة الزيتون فما زال الحجر هناك يحمل ذكريات وأحاديث أهالي القرية الذين كانوا يرشقون دروب القرية بمزاحهم وقصصهم خلال انتظارهم عصر زيتونهم، وما أجمل موسم الزيتون في حديث الحاج ابراهيم: " كان أهالي القرية ينتظرون دورهم في موسم الزيتون ويتبادلون أطراف الحديث وفي جعبة كل منهم حكايا لكن هذه الحكايا تبعثرت مسافرة بين رام الله والقدس ومخيمات الشتات".
زيارة قصيرة تركت أثرها في نفوسنا دون ان تمنحنا الفرصة لننساها، فما زالت صور لفتا حاضرة في ذاكرة أبنائها وفي أحاديثهم وبقصص نسجوها من حلمهم في العودة، ودعنا الحاج ابراهيم وهو يسألنا في طريق العودة عن شعورنا وعن اذا ما كنا قد استمتعنا بزيارة القرية، ودعنا الحاجة زهية والحاج ابراهيم على أمل العودة وهما يؤكدان لنا: " لن نسمح لاسرائيل بمصادرة أراضينا مرة ثانية ولن نقبل بأحد الخيارين اللذان طرحتهما علينا دائرة اراضي اسرائيل، فلن نقبل بأن يمر قطار من بلدتنا ولن نقبل بان تصبح بلدة أثرية يزورها السائحين، بل سنسعى لتحقيق حلم العودة قريباً".







الخميس، 14 فبراير 2013

للحب في بلادي نكهة كلاسيكية ...

لتشعر انك بيوم استثنائي ما عليك سوى أن تمشي بشوارع الناصرة وترى الكمية الهائلة من القلوب القطنية الحمراء تستطف مستقبلة يوم الحب وزبائنه علها تجذبهم ليشتروها... الحب في فلسطين رغم موجة الورود الحمراء والدباديب الكبيرة له نكهة خاصة، فهنا الحب يخاف أن يستوقفه جداراً عازلاً أو جندي يطلب منه تصريح بالعبور على أحد الحواجز.

هنا في فلسطين للحب نكهة كلاسيكية تعني تضحية ... جهد ... فلقاء

وفي هذا العام الحب في فلسطين تخطى حواجزه الأولى وحان موعد اللقاء بالحبيبة التي لم يقف بينها وبين الحبيب حواجز ولا جدران لكن هذه المرة يقف أمامها السجان ..

وسط هذه القلوب الحمراء أخجل أن انسى ان هناك قلب يخفق حباً للحرية
يحاول أن ينهض من بين دقات احتضاره الضعيفة ليبقى صامداً بعد مدة زادت عن 200 يوم من الاضراب داخل السجون الاسرائيلية.

فهناك في فلسطين قلوب ذابت عشقاً للحرية لم تمنعها الزنازين الحديدية عن الحب والحياة
فسامر وأيمن والعديد من الأسرى الفلسطينيين ما زالوا يحاولون الحياة ووحده الحب زادهم في تلك الرحلة التي إختاروها

لا يحتاج سامر العيساوي او ايمن الشراونة إلى دب قطني أو قلب بلا روح إهداءاً بعيد الحب
فكل ما يحتاجون هي حرية تنتظرهم خارج تلك الزنازين ... حرية عشقتهم فعشقوها




الأربعاء، 6 فبراير 2013

كيف قضى ليلته الأولى؟؟



أذكر أول سنة لعدي (شقيق الاصغر) في المدرسة، لشدة تعلقه بامي وقلقه بأن تذهب إلى أي مكان مغافلة إياه وهو في المدرسة، كان يتحجج لها بانه مريض، ما زالت تلك الذكرى تجد طريقها إلى ضحكات الجميع على حيله الطفولية التي كان يتبعها لكي لا يذهب الى المدرسة في الصباح ... لكن ماذا لو عاد عدي يوماً ولم يجد المنزل مكانه؟

ماذا لو عاد يومها ووجد والدتي تنتظره باكية؟ ليرى المنزل الذي كان يحلم طيلة ساعات الدراسة بوجبة لذيذة بأحد أركانه؟ 

ماذا لو بحث طويلاً ولم يجد تلك القطة التي كبرت في منزلنا على قيد الحياة تحت أنقاض المنزل؟

لا أدري لماذا راودتني هذه الأفكار؟ ولماذا تلك الذكرى بالتحديد؟ لكن صرخات ذلك الطفل الذي صورته عدسات الكاميرات وهو يصرخ غاضباً بعد عودته من المدرسة ليجد قوات الاحتلال الاسرائيلي تهدم منزل العائلة في بيت حنينا، صوروا تلك الصرخات ... أبكتنا ... غضبنا سألنا عن أسمه فلم يعرف أحد الجواب .. فذلك الطفل (لم تهمنا التفاصيل، فاسمه وسنه لا مكان لهما وسط صدى صرخاته).

كيف قضى ليلته الأولى في العراء؟ هل سيذهب غداً إلى المدرسة؟ هل قام بتنفيذ المهام المنزلية التي فرضها المعلمون عليه اليوم؟ عن ماذا تحدث هو وشقيقته التي تلقت الصدمة ذاتها؟ كيف سيرسم منزل العائلة اذا طلب منه الاستاذ ذلك في المدرسة يوماً ما؟؟

كل ذلك لا يهم فصدى صرخاته ما زالت تدوي ... هذا ليس حلماً ولا قصة قصيرة خيالية ... هذا ليس تصوراً مستقبلياً بل هو واقع يخشى كل طفل فلسطيني أن يعيشه يوماً كما عايشه طفل بيت حنينا اليوم.



الجمعة، 1 فبراير 2013

توتا ... توتا ... خلصت الحتوتة

بات أكثر طلب يخيفني هو ذلك الطلب الذي تطلبه من سما (5 سنوات) أحياناً بان أحكي لها حكاية، تتزاحم القصص في ذاكرتي، لإختار منها واحدة، ماذا سنحكي: ليلى الحمراء، بيضاء الثلج والاقزام السبعة، سندريلا، الأميرة النائمة... وغيرها الكثير ... أنفضها جميعها وأحاول أن ابدأ مع سما بداية لقصة جديدة لا تشبه قصص طفولتي.

قصص ذكرياتي كانت تبدأ دائماً بوصف مملكة سعيدة، فيها السكان يعيشون حياة رفاهية ويحبون الملك والملكة اللذان لا يؤرقهما في هذا العالم سوى سعادة أميرتهم الوحيدة التي يدعي لها الأهالي دائماً بالخير.

مملكة خالية من اللصوص والسيئين، والملك فيها يسهر على راحة المواطنين، فلا يرفع أسعار الوقود ولا يغير القوانين لتضمن بقائه في سدة الحكم، ولا يقوم بتهديدهم تارة بالتهجير من بيوتهم وتارة بالسلاح الكيماوي الذي تمتلكه المملكة المجاورة، فلا حرب تشغل بالهم ولا جدار يسد عليهم أشعة شمس الحرية.

دائماً كان يعكر صفو تلك المملكة السعيدة ساحرة شريرة جاءت من بعيد لتدمر المملكة او خطر خارجي يهددهم فيغتم الملك وتسوء أحوال الرعية لكنهم يبقون على محبتهم للزعيم دون أن تخلق معارضة ولا همس في السر ضد النظام مخافة أن يعتقل صاحب الفكرة بتهمة العمل على قلب نظام الحكم.

أخشى أن تكبر سما باحثة عن تلك المملكة النموذجية كما كبرنا نحن، فهي ممالك لم تعد موجودة سوى في ذكريات أطفال الثمانينات والسبعينات الذين كبروا باحثين عن تلك المملكة وذلك الملك، أبدأ قصتي الجديدة مع سما لا مملكة فيها ولا ملك ولا رعية ... عسى أن تكبر يوماً دون أن تصدم أحلامها بجدار الفصل العنصري، أو تنتظر أفكارها على الحاجز لتعبر مرفرفة بقيودها.