الأحد، 17 فبراير 2013

الآذان في لفتا ما زال يزعج الزائرين اليهود ...






بين حلم العودة وقرار الحكومة الاسرائيلية بهدم البيوت المهجرة في قرية لفتا لإنشاء سكة حديد، يعيش أهالي القرية الذين ما زالوا يزورونها باستمرار متشبثين بحقهم في العودة إلى بيوتهم التي ما زالت تنتظرهم وتحافظ على جدرانها قوية تحمل بين أحجارها ذكريات محفورة في ذاكرة سكانها الذين خرجوا منها شباناً ويعودون إليها اليوم برفقة أحفادهم الصغار الذين استطاعوا أن يدحروا مقولة بن غوريون: " الكبار يموتون والصغار ينسون".

الآذان ما زال يعلو من منبر لفتا ويزعج المتنزهين اليهود
زرنا لفتا المهجرة التي لبست حلة الربيع الخضراء وتجولنا بين بيوتها التي ما زالت تحافظ على عمرانها تنتظر عودة أبنائها الذين احتضنت أحلامهم الشبابية، ليصحبنا الحاج ابراهيم العبيدي الذي يبلغ من العمر (74 عاماً)، مؤذن مسجد القرية الذي ما زال صوته يصدح بالآذان من على منبر المسجد الذي ما زالت بقايا جدرانه تحافظ على أحد معالم قرية لفتا، وفي كل مرة يقوم فيها الحاج ابراهيم بزيارة القرية يقوم بإعلاء الآذان، وبصوته الذي جلجل في القرية وأزعج المتنزهين اليهود الذين يزورون القرية للاستمتاع بربيعها المميز، الذين نظروا باستغراب يحمل بين طياته خوف من هذا الرجل الذي ينطق بالعربية في القرية التي يعرفون بانها خلت من سكانها.
وبعد الآذان أكملنا طريقنا مع الحاج ابراهيم العبيدي لزيارة بيت عائلته، الذي بدأ يروي قصة 14 عاماً من عمره قضاها في لفتا وبين جدران ذلك البيت قائلاً: " كنت أعمل ككاتب في مؤسسة الضرائب في القدس، وفي يوم التهجير وصلتنا أخبار مجازر القوات الاسرائيلية في دير ياسين والطنطورة وغيرها من البلدات الفلسطينية الأخرى، وبعدها وصلت مجموعة من اليهود عصر ذلك اليوم وقامت بقتل بعض الرجال الذين يجلسون في المقهى الذي يقع على مدخل القرية، فقرر والدي الخروج من البلدة خوفاً على حياتنا، توجهنا إلى بلدة (بيت إكسا) ومن هناك إلى مدينة رام الله".
أكملنا طريقنا في دروب لفتا الترابية حيث توقف الحاج ابراهيم وقال فرحاً: " هذا هو منزلي وصلنا..توقف قليلاً ليتأمل جدران المنزل الخارجية وبعدها بدأ بالصعود على الدرج الحجري المؤدي إلى منزله، تبعناه لكنه وصل قبلنا بدقائق دون أن يشاركنا لهاثنا وتعبنا، فكان مرحاً وهو يتجول في أرجاء المنزل ويخبرنا عن تقسيم البيت: " فهنا كانت غرفتي انا واخوتي، وهذه غرفة والديّ، هذا المطبخ وهنا منزل عمي..."، تنهد الحاج ابراهيم واستدار بعيداً عنا لنلمح دمعة استطاع الحاج ابراهيم أن يحبسها.


بين ذكريات الحاج ابراهيم والحاجة زهية يزداد الفضول!!
ولكن الحاجة زهية جودي (75 عاماً) بدأت تخفف من حدة الذكريات وتخبرنا عن أيام الصبا في لفتا التي غادرتها وهي تبلغ من العمر (8 سنوات): " أسكن اليوم في رام الله وانتظر كل فرصة استطيع خلالها أن ازور البلدة التي عشت على ذكرى العودة إليها طيلة 63 عاماً، وهذه المرة كان الحصول على تصريح للوصول إلى لفتا سهل ولم نعاني الأمرين كالعادة".
وبين أحاديث الحاج ابراهيم والحاجة زهية، وخلافاتهم حول هوية أصحاب كل بيت نمر به في طريقنا إلى معصرة القرية، كانت اسئلتنا تكثر وفضنا يزداد مع كل معلومة نتلقاها وبدات تقص علينا الحاجة زهية كيف كانت الفتيات تقضين أوقاتهن في لفتا: " كنا نبحث عن ألعاب تسلينا في المنزل فكنا نصمم الدمى ونلعب الحجلة العديد من الألعاب التي كنا نبتكرها لنقضي وقتنا".
وتمضي الحاجة زهية في حديثها وهي تتأمل معالم القرية التي اشتاقت لرؤيتها: " لن احتمل أن أرى منازل قريتي تهدم امام عيني ولن أقبل ان أتراجع عن الحلم بالعودة إليها، فلن تكون القرية كما تريد الحكومة الاسرائيلية سبيلاً يمر منه قطار ويلوث طبيعتها المميزة".

حكايا لفتا ما زالت في الذاكرة...والأطفال لم ينسواووصلنا إلى معصرة قرية لفتا التي خلت من البشر لكنها كانت تعبق برائحة الزيتون فما زال الحجر هناك يحمل ذكريات وأحاديث أهالي القرية الذين كانوا يرشقون دروب القرية بمزاحهم وقصصهم خلال انتظارهم عصر زيتونهم، وما أجمل موسم الزيتون في حديث الحاج ابراهيم: " كان أهالي القرية ينتظرون دورهم في موسم الزيتون ويتبادلون أطراف الحديث وفي جعبة كل منهم حكايا لكن هذه الحكايا تبعثرت مسافرة بين رام الله والقدس ومخيمات الشتات".
زيارة قصيرة تركت أثرها في نفوسنا دون ان تمنحنا الفرصة لننساها، فما زالت صور لفتا حاضرة في ذاكرة أبنائها وفي أحاديثهم وبقصص نسجوها من حلمهم في العودة، ودعنا الحاج ابراهيم وهو يسألنا في طريق العودة عن شعورنا وعن اذا ما كنا قد استمتعنا بزيارة القرية، ودعنا الحاجة زهية والحاج ابراهيم على أمل العودة وهما يؤكدان لنا: " لن نسمح لاسرائيل بمصادرة أراضينا مرة ثانية ولن نقبل بأحد الخيارين اللذان طرحتهما علينا دائرة اراضي اسرائيل، فلن نقبل بأن يمر قطار من بلدتنا ولن نقبل بان تصبح بلدة أثرية يزورها السائحين، بل سنسعى لتحقيق حلم العودة قريباً".







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق